يساهم قطاع البناء عالميّاً بما لا يقلّ عن 30% من انبعاثات غازات الدفيئة، مما يجعله أحد أبرز مصادر التلوث البيئي.
ويتجلّى الأثر السلبي لقطاع البناء في الأضرار البيئية، سواء عبر مواقع البناء أو المخلفات الناتجة عن الهدم، بالإضافة إلى استهلاك المواد الخام وإنتاجها ونقلها.
لتحقيق أهداف الاستدامة البيئية وتطبيق أنماط العمران المستدامة، يتطلب الأمر إيجاد توازن دقيق بين تنفيذ مشاريع البناء الضخمة وتحقيق الحياد المناخي، دون التأثير على تكلفة المشروع أو تأخير مواعيد تسليمه، وهو ما يمثل التحدي الرئيسي في هذا القطاع.
نمو قطاع البناء في الخليج والتزامات مناخية طموحة
تُعتبر دول الخليج من المناطق البارزة لنمو قطاع البناء العالمي، نظراً لضخامة الاستثمارات وحجم المشاريع. خلال الربع الثاني من عام 2023، بلغت قيمة العقود الممنوحة في البناء والبنى التحتية نحو 39.9 مليار دولار، بزيادة قدرها 110% عن العام السابق.
في الوقت نفسه، تسعى العديد من دول الخليج لتحقيق الحياد المناخي؛ إذ تهدف الإمارات للوصول إلى صفر انبعاثات بحلول 2050. فيما تستهدف السعودية تحقيق الهدف ذاته بحلول 2060. ورغم هذه الخطط الطموحة، يبقى السؤال عن مدى التزام عقود البناء بمفهوم الاستدامة البيئية.
بنود الاستدامة في عقود البناء: نماذج وتجارب ملهمة
تعمل شركات استشارية على صياغة بنود تشجع الاستدامة البيئية في البناء، ومن أمثلتها بند “Tristan’s” الذي قدمته شركة “آدِلشو جودارد” عبر مبادرة أطلقتها منظمة “Chancery Lane Project”.
يهدف هذا البند إلى تعزيز استخدام مواد البناء المستدامة وفق ميزانية كربونية متفق عليها بين الأطراف، مع تقديم علاوات عند تحقيق فائض كربوني وفرض تعويضات عند عدم الامتثال.
ومع ذلك، فإن تطبيق هذه البنود بشكل واسع لا يزال محدوداً، حيث أن الضغوط المالية والاقتصادية تمثل أولوية غالباً على حساب متطلبات الاستدامة.
تطوير معايير مرجعية لقياس الاستدامة في قطاع البناء
يفتقر قطاع البناء حالياً إلى معايير مرجعية لقياس الاستدامة بشكل عادل وموحّد، لكن الوضع آخذ في التحسن. في نوفمبر 2021، تم الإعلان عن تأسيس المجلس الدولي لمعايير الاستدامة بدعم من مؤسسة IFRS المالية، بهدف وضع معايير عالمية للإفصاح عن بيانات الاستدامة بما يلبي احتياجات المستثمرين.
كما دخل توجيه الاتحاد الأوروبي لإعداد تقارير استدامة الشركات حيّز التنفيذ في يناير، ما يلزم الشركات الأوروبية بتقديم تقارير عن تأثيرها الاجتماعي والبيئي.
وتأتي هذه التطورات كمحاولة لتوفير أسس واضحة للمعايير التي سيُحكَم عليها أطراف القطاع، من أجل تقليل النزاعات وتحقيق الالتزام المطلوب.
أهمية التعاون بين الأطراف الفاعلة لتحقيق الاستدامة
لا يمكن مواجهة تحديات الاستدامة في البناء دون تعاون بنّاء بين أصحاب العمل والمموّلين والمقاولين، حيث ينبغي أن يشمل التعاون تعزيز مفهوم المناقصات القائمة على كثافة الانبعاثات الكربونية واستخدام المواد منخفضة الكربون، مثل الفولاذ الصديق للبيئة والخرسانة منخفضة الكربون.
بالإضافة إلى ذلك، يُنصح بإدراج بنود “الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة” في العقود، مع تحديد أهداف واضحة لجميع الأطراف المعنية.
فرص وتحديات قطاع البناء لتحقيق الريادة في الاستدامة
رغم التحديات الكبيرة، يتميز قطاع البناء بفرصة ملحوظة لتحقيق التغيير عبر تطبيق بعض التحسينات البسيطة. لا تقتصر مسؤولية القطاع في الحد من التأثير البيئي خلال مراحل التشييد، بل تشمل أيضاً مراحل التشغيل من خلال تصميم مبانٍ مستدامة ذات كفاءة عالية في استخدام الموارد، ما يسهم في تقليل الانبعاثات طوال دورة حياة المبنى.
من خلال التركيز على هذه الجوانب، يمكن لقطاع البناء أن يلعب دوراً ريادياً في مواجهة معضلة المناخ وتحقيق استدامة حقيقية على أرض الواقع.
الدكتور محمد راشد رئيس شركة راشد للاستشارات المالية ودراسات الجدوي وإدارة الأصول العقارية، وعضو مجلس إدارة غرفة صناعة التطوير العقاري
للمزيد من الأخبار الاقتصادية واللحظية تابعنًا على صفحتنا على فيسيوك من هنا:
موقع الملخص الاقتصادي هو منصة إلكترونية مصممة لتزويد المستخدمين بملخصات شاملة للأحداث الاقتصادية. التي تشهدها الأسواق العالمية والإقليمية.
كما أن موقع الملخص الاقتصادي يهدف إلى توفير معلومات دقيقة وموجزة حول التطورات الاقتصادية، مما يسهل على القراء فهم الأحداث.